Jumat, 20 Januari 2012

اعجازالقرآن الكريم

سناد التعجب إلى الله عز وجل

قال الله عز وجل :﴿ وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾(الرعد:5) ، فأسند سبحانه وتعالى التعجب إلى نفسه .. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل يجوز إسناد التعجب إلى الله عز وجل ، ووصفه بأنه متعجب ؟ 
وللإجابة عن ذلك لا بد من الوقوف على معنى التعجب عند علماء البلاغة واللغة والتفسير ، ومعرفة أساليبه ، فأقول والله المستعان :
أولاً- يعرف علماء البلاغة التعجب بأنه تعبير عن شعور داخلي ، تنفعل به النفس حين تستعظم أمرًا نادر الحدوث . أو : لا مثيل له . أو : خارقًا للعادة ، خَفِيُّ السبب ، مجهول الحقيقة ؛ فهو ( استعظام الشيء مع خفاء السبب ) . وما لم يجتمع هذان الشرطان ، لا يكون تعجبًا عندهم . وهو في اللغة مصدر : تعجَّب . يقال : تعجب من الأمر تعجبًا ، فهو متعجِّب ، والأمر مُتَعَجَّبٌ منه .
ويوصف الأمر المُتَعَجَّبُ منه بأنه عَجَبٌ ، وعَجيبٌ ، وعُجَابٌ ، وعُجَّابٌ . والمراد من ذلك كله المبالغة في الصفة ، وبين هذه الصيغ فروق دقيقة في المعنى ، خلافًا لمن قال بترادفها . قال الفخر الرازي :« العَجَب أبلغ من العَجيب » . وقال الفيروز آبادي :« العُجَاب ما جاوز حدَّ العَجَب » ، فهو بليغ في العَجَب . ورويَ أن الخليل كان يفرق بين العَجيبِ والعُجَابِ في المعنى ، فيقول :« العَجيبُ هو الذي قد يكون مثله ، والعُجَابُ هو الذي لا يكون مثله ، وكذلك الطويل والطوال » . وأبلغ من العُجَابِ : عُجَّابٌ بالتشديد .
ويقال : عَجِب يَعْجَبُ عَجَبًا ، وهذا أمرٌ عجيب ؛ وذلك إذا استُكْبِر واستُعْظِم . ويقال : عَجَّب غيره تعجيبًا . ويقال : أعجبه الشيء بمعنى : راقَه ، وعظم في نفسه وقلبه ، فهو مُعْجَبٌ . ومنه قوله تعالى :﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (البقرة:204) . أي : يروقك قوله ، ويعظم في قلبك .
ومن ( العجَب ) قوله تعالى :﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَبًا (الجن:1) . أي : سمعنا قرآنًا بديعًا مباينًا لسائر الكتب في حسن نظمه وصحة معانيه ودلائل إعجازه ؛ ومن ذلك قوله تعالى :﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ (يونس:2) . أي : جعلوا ذلك أعجوبة لهم ، يتعجبون منها ، ونصبوه علمًا لهم ، يوجهون نحوه استهزاءهم ، وإنكارهم ؛ ولهذا أنكر الله تعالى عليهم ذلك ، فجاء بصيغة الاستفهام الإنكاري :﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا ﴾ ؟ ونحو ذلك قوله تعالى :﴿ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (ص:4) .
ومن ( العجيب ) قوله تعالى حكاية عن سارة امرأة إبراهيم عليهما السلام :﴿ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾(هود:72) . أي : أن يولد ولد من شيخين هرمين خلافًا للعادة التي أجراها الله تعالى في العباد ، فهذا شيء يدعو إلى العجب والدهشة ؛ ولهذا تعجبت مستبعدة حدوث ذلك .
ومن ( العُجَاب ) قوله تعالى حكاية عن المشركين :﴿ أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (ص:5) . أي : بليغٌ في العَجَب ، وبناؤهم له على هذا الوزن يوحي بشدة العجب وضخامته وتضخيمه ؛ وذلك لأنه خلاف ما ألِفُوا عليه آباءهم الذين أجمعوا على ألوهيَّتهم وواظبوا على عبادتهم كابرًا عن كابر ، فإن مدار كل ما يأتون ، وما يذرون من أمور دينهم هو التقليد والاعتياد ، فيعدُّون ما يخالف ما اعتادوه عجيبًا ؛ بل مُحالاً . وقرئ :﴿ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَّابٌ بالتشديد ، وهو أبلغ- كما تقدم- من المُخفَّف . قال أبو حيان في البحر المحيط :« وقرأ الجمهور : ( عُجَابٌ ) ، وهو بناء مبالغة ، كرجل طُوَال وسُرَاع ، في طويل وسريع . وقرأ علي والسلمي وعيسى وابن مقسم بتشديد الجيم ، وقالوا : رجل كُرَّام وطُعَّام وطُيَّاب ، وهو أبلغ من فُعَال المخفف . وقال مقاتل : عُجَاب لغة أزد شَنوءَة » . وقال الجوهري في الصحاح :« والعُجَّاب بالتشديد أكثر منه » . ونظيره قوله تعالى :﴿ وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّارًا (نوح:22) .
ثانيًا- وللتعجب أساليب كثيرة ؛ منها ما يقتصر معناه على التعجب ، ومنها ما يتضمن مع التعجب معنى آخر ؛ كالتنزيه والمدح والذم ، وغير ذلك من المعاني التي تفهم من السياق . وتنحصر هذه الأساليب في نوعين : أحدهما سماعي . والآخر قياسي . أما السماعي فصيغه كثيرة ، وأما القياسي فله صيغتان : مَا أَفْعَلَهُ . وأَفْعِلُ بِهِ .
ومن الصيغة الأولى قولهم : ما أَحْسَنَ زيدًا . وجعل بعضهم من ذلك قوله تعالى :﴿ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾(البقرة:175) ، وقوله تعالى :﴿ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (عبس:17) .
ومن الصيغة الثانية قولهم : أَحْسِنْ بزيد . وجعل بعضهم من ذلك قوله تعالى :﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ (الكهف:26) ، وقوله تعالى :﴿ أََسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ (مريم:38) .
واختلف علماء العربية في تأويل هاتين الصيغتين على أقوال ؛ أشهرها قول جمهور البصريين ؛ وهو أن معنى ( ما أَحْسَنَ زيدًا ) : شيءٌ جعل زيدًا حسنًا . وهذا الشيء الذي جعله حسنًا موجود فيه ، لا يمكن تحديده ، أو تخصيصه ؛ لأنه مجهول الحقيقة ؛ ولهذا تُعُجِّب منه . وهذا رأي الخليل وسيبويه ، وقد علَّل له ابن السراج الناطق بلسان البصريين بقوله :« لأنك ، لو خصصت شيئًا ، لزال التعجب ؛ لأنه إنما يراد به أن شيئًا قد فعل فيه هذا وخالطه ، لا يمكن تحديده ، ولا يعلم تلخيصه . والتعجب كله ؛ إنما هو مما لا يعرف سببه . فأما ما عرف سببه فليس من شأن الناس أن يتعجبوا منه ، فكلما أبهم السبب كان أفخم ، وفي النفوس أعظم » .
وأما ( أَحْسِنْ بِزَيْدٍ ) فأصله عندهم : حَسُنَ زَيْدٌ . ثم أدخلت عليه همزة الصيرورة ، فصار : أَحَسَنَ زيدٌ . ثم نقلت صيغة الماضي إلى الأمر لإنشاء التعجب ، فصار : أَحْسِنْ زيدٌ . ثم أدخلت الباء في الفاعل إصلاحًا للفظ ، فصار : أَحْسِنْ بِزَيْدٍ ، ولزمت الباء الزائدة الفاعلَ لمعنى التعجب .
فإن قلت : ( ما أَحْسَنَ زيدًا ) ، و( أَحْسِنْ بِزَيْدٍ ) ، فأنت تتعجب من شيء جعل زيدًا حسنًا ، وهذا الشيء مجهول السبب ؛ ولهذا ذهب أكثر العلماء إلى أنه لا يجوز إسناد التعجب إلى الله تعالى ، ووصفه سبحانه بأنه متعجب ، وكان هذا سببًا في اختلافهم في تأويل ما ورد في القرآن الكريم ، والحديث الشريف من أقوال ظاهرها إسناد التعجب إلى الله تعالى ، ووصفه سبحانه بأنه متعجب .
فمن ذلك قوله تعالى :﴿ وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ ﴾(الرعد:5) . قيل في تفسيره :« إن تعجب يا محمد من قولهم فهو أيضًا عجب عندي » . وقال الزمخشري :« إن تعجب يا محمد من قولهم في إنكار البعث فقولهم عجيب حقيق بأن يتعجب منه » . ثم وصف قولهم بأنه أعجوبة من الأعاجيب . وحكى الرازي عن المتكلمين قولهم :« العجب هو الذي لا يعرف سببه ؛ وذلك في حق الله محال ؛ فكأن المراد : إن تعجب يا محمد فعجب عندك » .
ومن ذلك قوله تعالى :﴿ بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ ﴾(الصافات:12) ، في قراءة من قرأ بضم التاء . أي : عجب ربنا . قال الرازي :« معناه : أنه صدر من الله تعالى فعل ، لو صدر مثله عن الخلق ، لدلَّ على حصول التعجب في قلوبهم ؛ وبهذا التأويل يضاف المكر ، والاستهزاء إلى الله تعالى » .
وقال الزمخشري :« فإن قلت : كيف يجوز العجب على الله تعالى ؛ وإنما هو روْعة تعتري الإنسان عند استعظام الشيء ، والله تعالى لا يجوز عليه الروعة ؟ قلت : فيه وجهان : أحدهما أن يجرَّد العَجَبُ لمجرَّد الاستعظام . والثاني أن يتخيَّل ، فيفرض » .
وقال أبو حيَّان :« الظاهر أن ضمير المتكلم لله تعالى ، والعجب لا يجوز على الله تعالى ؛ لأنه روعة تعتري المتعجب من الشيء ، وقد جاء في الحديث إسناد العجب إلى الله تعالى ، وتُؤُوِّل على أنه صفة فعل ، يظهرها الله تعالى في صفة المتعجب منه من تعظيم ، أو تحقير ، حتى يصير الناس متعجبين منه » .
ومن ذلك قوله تعالى :﴿ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾(البقرة:175) . أي : ما أجرأهم على عذاب النار ! فهذا تعجب من شدة صبرهم على النار . ومثله ما روي عن الكسائي من أنه قال :« قال لي قاضي اليمن بمكة : اختصم إليَّ رجلان من العرب ، فحلف أحدهما على حق صاحبه ، فقال له : ما أصبرك على الله » . أي : ما أجرأك على عذاب الله ! وأصبر ، بمعنى : أجرأ ، لغة يمانية .
ومع هذا فقد قال أبو حيان في تأويل الآية الكريمة :« إذا قلنا : إن الكلام هو تعجب ، فالتعجب هو استعظام الشيء وخفاء حصول السبب . وهذا مستحيل في حق الله تعالى ؛ فهو راجع لمن يصح ذلك منه . أي : هم ممن يقول فيهم من رآهم : ما أصبرهم على النار ! » .
ومن ذلك قوله تعالى :﴿ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (عبس:17) . قال الزمخشري :« تعجَّبَ من إفراطه في كفران نعمة الله » . وقال أبو حيان :« الظاهر أنه تعجب من إفراط كفره » . ثم قال :« والتعجب بالنسبة للمخلوقين ؛ إذ هو مستحيل في حق الله تعالى . أي : هم ممن يقال فيه : ما أكفره ! » .
ومن ذلك قوله تعالى :﴿ أََسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ (مريم:38) . قال الزجاج :« هو تعجب من قوة إبصارهم ، وشدة سماعهم يوم القيامة ، بعدما كانوا في الدنيا صمًّا لا يسمعون ، وعميًا لا يبصرون » . وخالفه في ذلك المُبَرِّد ، والزمخشري . أما المُبَرِّدُ فقال :« لا يقال لله عز وجل متعجب ؛ ولكنه خرج على كلام العباد . أي : هؤلاء ممن يجب أن يقال فيهم : ما أسمعهم ، وأبصرهم في ذلك الوقت » . وأما الزمخشري فقال :« لا يوصف الله تعالى بالتعجب ؛ وإنما المراد أن أسماعهم ، وأبصارهم يومئذ جدير بأن يتعجب منهما ، بعدما كانوا صمًّا ، وعميًا في الدنيا » .
ثالثًا- وليت شعري ما الذي يمكن أن يقولوا في تأويل قوله تعالى :﴿ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ (الكهف:26) ، وقد أجمعوا على أن الضمير في ( به ) يعود على الله تعالى ؟ .. أيمكن أن يقال فيه : إنه خرج على كلام العباد ؟ أم أنه ممن يصح أن يقال فيه : كذا وكذا ؟ سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا ! وقد قال الفخر الرازي في تفسيره :« هي كلمة تذكر في التعجب . أي : ما أبصره ، وما أسمعه ! » .
ثم ما الذي يمكن أن يقولوا في قوله تعالى :﴿ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ﴾ (يس:36) . وفي قوله تعالى :﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾(البقرة:28) ؟ أليس هذا تعجب من الله تعالى ، وفي حقه سبحانه ؟ ومثل هذا كثير في كتاب الله تعالى ، وفي حديث رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فمن الحديث ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله :« عجِبَ ربُّكم من أَلِّكم وقُنوطكم وسرعةِ إجابته إياكم » . ومن ذلك ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من قوله للأنصاري الذي ضافه ضيف ، وليس في طعامه فضل عن كفايته ، فأمر امرأته بإطفاء السراج ؛ ليأكل الضيف ، وهو لا يشعر أن المضيف له لا يأكل :« لقد عجب الله تعالى من صنيعكما البارحة » .
وأما قوله تعالى :﴿ بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ ﴾(الصافات: 12) فكان شُرَيحٌ يقرأ :﴿ عَجِبْتَ ﴾  بفتح التاء ، ويقول :« إن الله لا يعجب من شيء ؛ وإنما يعجب من لا يعلم » . قال الأعمش : فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي ، فقال :« إن شُرَيْحًا شاعر يعجبه علمه ، وعبد الله أعلم بذلك منه » . يريد : عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- وكان يقرأ بضم التاء . وروي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه كان يقرأ هكذا بالضم ، وهو اختيار أبي عبيدة . وكان الفراء يقول :« العَجَبُ ، وإن أسند إلى الله تعالى ، فليس معناه من الله كمعناه من العباد » . وكان يجيز في :﴿ عَجِبْتُ ﴾ قراءة الرفع ، و قراءة النصب ، وكان يقول :« والرفع أحب إليَّ ؛ لأنها قراءة علي ، وابن مسعود ، وعبد الله بن عباس » .
أما الطبري فقد حكى قراءة الرفع عن عامة قُرَّاء الكوفة ، وقراءة النصب عن عامة قُرَّاء المدينة والبصرة ، وبعض قُرَّاء الكوفة ، وكان يقول فيهما :« إنهما قراءتان مشهورتان في قُرَّاء الأمصار ، فبأيهما قرأ القارىء فمصيب » . وذكر أن المعنى على قراءة الرفع :« عظُم عندي وكبُر اتخاذهم لي شريكًا ، وتكذيبهم تنزيلي ، وهم يسخرون » .
فثبت بذلك كله أن إسناد التعجب إلى الله تعالى جائز ، وأن وصفه سبحانه بالمتعجب ثابت في القرآن ، والسنة ؛ ولكن على أن يحمل على مجرد الاستعظام ، وأن معناه من الله تعالى ليس كمعناه من العباد ؛ كما نصَّ على ذلك الفراء ، وغيره .
رابعًا : وخلاصة القول في معنى التعجب ما ذكره الفخر الرازي بعد قوله :« قالوا : التعجب هو استعظام الشيء مع الجهل بسبب عظمه . قال : ثم يجوز استعمال التعجب عند مجرد الاستعظام من غير خفاء السبب . أو من غير أن يكون للعِظَم سَببُ حصول » .
فالتعجب- على هذا- ليس كله مما خفي سببه ؛ بل أكثره مما علم سببه ، بدليل أن سبب الاستعظام أو العِظَم لا يخفى إلا على الكافر . أما المؤمن فسبب ذلك عنده معروف ؛ فإن تعجَّب- في كثير من الأمور- فإنما يتعجَّب لمجرد الاستعظام ، ومن هنا قيل : التعجُّب من قدرة الله تعالى يوجب الكفر ؛ لأنه دليل على الجهل ، ولا يجهل قدرة الله تعالى إلا الكافر ؛
ولهذا حُمِلَ تعجُّبُ سارة امرأة إبراهيم- عليه السلام- على أنه تعجُّب بحسب العرف والعادة التي أجراها الله تعالى في عباده ، لا بحسب قدرته سبحانه على الخلق والإبداع .. وإنما أنكرت الملائكة- عليهم السلام- عليها تعجبها في قولهم :﴿ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ (هود:73) ؛ لأنها كانت في بيت الآيات ، ومهبط المعجزات ، والأمور الخارقة للعادات ، فكان عليها أن تتوقَّر ، ولا يزدهيها ما يزدهي سائر النساء الناشئات في غير بيوت النبوة ، وأن تسبح الله ، وتمجده مكان التعجب . وإلى ذلك أشار الملائكة صلوات الله تعالى عليهم بقولهم :﴿ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ (هود:73) ، وهو كلام مستأنف لتعليل إنكار تعجبها ؛ كأنه قيل لها : إياك والتعجب !  
فعلى الاستعظام مع خفاء السبب يحمل التعجب إذا صدر من العباد ، وعلى مجرد الاستعظام من غير خفاء السبب يحمل التعجب إذا صدر من العبد المؤمن ، وعلى مجرد الاستعظام من غير خفاء السبب ، أو من غير سبب ينبغي أن يحمل التعجب إذا صدر من الله سبحانه وتعالى . فالتعجب من الشيء في حق الله تعالى محمول على أنه تعالى يستعظم تلك الحالة ، إن كانت قبيحة فيترتب العقاب العظيم عليه ، وإن كانت حسنة فيترتب الثواب العظيم عليه . وبهذا المعنى جاز إضافته إلى الله جل وعلا ، كما جاز إضافة السخرية والاستهزاء والمكر والغضب والتكبُّر والحياء إليه سبحانه ، وليس بالمعني الذي يضاف إلى العباد ، مع ملاحظة الفرق بين ما يتصف به العبد المخلوق ، وما يتصف به الخالق جل وعلا . فصفاته جل وعلا مغايرة لصفات مخلوقاته من البشر ، كما أن ذاته الشريفة مغايرة لذواتهم . أما تأويله على الوجه الذي ذكره المفسرون- كما قدمنا- فإنه تعطيل لصفات الله جل وعلا ، وصرف للكلام عن وجهه الصحيح ، وإخراج له عن حدِّ الفصاحة والبلاغة التي يمتاز بها أسلوب القرآن الكريم .. والله تعالى أعلم !

0 komentar:

 
Template designed by Liza Burhan